السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا! انقطعت لفترة، تعلمت فيها أمور جديدة الحمدلله، ولعلها انتهت الآن، لذلك تفرغت للكتابة.
الورقة العلمية هذه لها مكانة كبيرة عندي، لأني تعلمت منها أشياء كثيرة جدا جدا جدا، وجديدة، سواء مفاهيم علمية، أو تكنيكات معملية، بصراحة ارتفع سقف اختياراتي بعدها.
أولا، أحتاج أشرح بعض المصطلحات الموجودة في العنوان، ثم أتكلم عن البحث والهدف منه.
PTBP1: بروتين لديه القدرى على الإرتباط بالـ RNA.
Alternative Splicing: في الغالب، الجين الواحد يعطي أكثر من بروتين نسميهم “isoforms”، والكيفية هي أن الجين يُنسخ كـ immature mRNA، تجري عليه بعض التعديلات مثل قطع بعض الأجزاء “exons” وترك أخرى، وهذا يُنتج لنا بروتين مختلف في كل مرة، نسمي عملية القطع هذه بـ Alternative splicing.
Inflammatory Secretome: بروتينات،يتم إفرازها من الخلية عند حدوث أي خلل غير طبيعي، تلف النسيج، أو عدوى من كائنات دقيقة. تعمل هذه البروتينات كمُراسِلات توجه الخلايا المناعية إلى مكان الخلايا المُفرِزه، وتحفز بعض التفاعلات بين الخلية المُفرِزة والخلايا المجاورة لها، وأيضا الخلايا المناعية التي تم جلبها/توجيهها من الأوعية الدموية.
بالعموم، الـ inflammation يتلخص بكونه عملية مراسلات تحدث بين الخلية المُرسِلة وبين العديد من الخلايا “المجاورة عادة، والمناعية غالبا” لإخبارهم بحالتها، والهدف منها إعادة التوازن في الجسم (على مستوى الخلايا) والتخلص من المشكلة المُحفزة. أحيانا تستمر عملية إفراز هذه البروتينات لاستمرار المُسبب مما يؤدي إلى أمراض عديدة، من أبرزها السرطان! لأن هذه البروتينات تؤثر على بقية الخلايا وعلى الـ DNA بشكل سلبي مع مرور الوقت.
Senescent Cells:
الخلية الهَرِمة:
في الستينات الميلادية اكتشف العلماء أن بعض الخلايا تدخل في مرحلة أسموها “الشيخوخة”، مما يعني أن الخلية الهَرِمة هذه تتوقف تماما عن الإنقسام، وتطلق بروتينات تجذب الخلايا المناعية “Macrophages” حتى تبتلعها وتزيلها. وجد العلماء وقتها أن بعض الخلايا القابلة للتحول لخلايا سرطانية، تُفعل هذا النظام مما ييساعد النظام المناعي على إزالتها، فافترض العلماء أن عملية الشيخوخة هذه تعتبر مثبطة للأورام
(tumor-suppressive mechanism)
ولكن بعدها بفترة وجدوا أن وجود خلايا هَرِمة قد يساهم في تحفيز نمو الأورام، ولو كانت موجودة في
البيئة المحيطة بالورم (microenviroment) قد تزيد من سوءه وتحفز توغله وانتشاره!
لفهم سبب هذا التداخل والتناقض الظاهر، لنفهم بعض النقاط الخاصة بشيخوخة الخلايا بشكل عام:
1- الخلية تدخل لمرحلة الشيخوخة لأسباب مختلفة، إما لأنها بلغت أقصى حدود الإنقسام الخلوي، فالتيلومير الخاص بها لايمكنه دعم الإنقسام أكثر (Achieve Hayflick limit) لذا تتوقف. وإما بسبب تنشيط بعض الجينات السرطانية (Oncogen-induce senescence) أو بسبب تلف الـ DNA، وغير ذلك.
2- تتميز الخلايا الهَرِمة بتوقفها التام عن الإنقسام، وللتأكد من ذلك يدرس العلماء التعبير الجيني الخاص بمثبطات تقدم الإنقسام الخلوي cell cycle inhibitor p16INK4A or p21
إذا كان مستوى البروتين عالي = الخلية لا تنقسم.
3- تطلق الخلايا الهَرِمة نمط من الإفرازات يُسمى (senescence- associated secretory phenotype) بإختصار (SASP)
هي عبارة عن بروتينات مختلفة، مثل السيتوكينات، الأنزيمات المحطمة للبروتينات، عوامل النمو، و chemokines. لكن:
-العوامل المفرزة هذه ليست خاصة ومميزة للخلية الهرمة، كثير من الخلايا تفرزها أيضا وتعمل وظائف
متنوعة “لكن لاحظوا أنه في بقية الخلايا عادة، يكون إفراز البروتين مؤقت، بعكس الخلية الهَرِمة، يكون دائم”.
-يختلف نوع وكمية الإفرازات من خلية هَرِمة لأخرى، بناء على نوع الخلية، ونوع النسيج، وسبب تحفيز
شيخوختها (هل بسبب DNA damage مثلا، أم التيلومير..إلخ).
-هذه الإفرازات (SASP) لها تأثير تحفيزي للورم، وأحيانا تثبيطي، على حسب نمط الإفراز الخاص بها،
والذي -كما قلنا- يختلف باختلاف النسيج وأصل الخلايا ومحَفِز الشيخوخة.
–الـSASP المُفرَزه تؤثر على الخلية ذاتها (autocrine effect) والخلايا المجاورة (paracrine effect) حيث تحفزهم ليدخلوا مرحلة الشيخوخة أيضا.
حتى الآن، لم يجد العلماء طريقة بواسطتها يعرفون سبب إختلاف الـ SASP من خلية هَرِمة لأخرى، ولكن، القليل من الدراسات بدأت تأخذ نوع واحد من الخلايا وتحفز فيها الشيخوخة بطرق مختلفة، ثم تقارن ال
SASP المفرزة من خلية لأخرى. ومن الواضح أنه كلما كان المُحَفِز للشيخوخة هو تلف الـ DNA فالـ SASP
تكون غالبا محفزة للأورام.
في النهاية، عوامل عديدة متغيرة هي من تحدد هل الخلية الهَرمة ستحفز نمو الورم أم تثبيطه؟ وكما قالوا في المرجع الذي نقلت منه:
“There is no ‘one size fits all’ description or impact of senescent cells on tumorigenesis”.
الآن ندخل على البحث والهدف منه.
____________________________________________________________________________
نعرف الآن أن الـ SASP المُفرزه من الخلية الهَرِمة هي بروتينات عديدة بعضها يعتبر inflammatory factors بمعنى أنه يعزز عملية الـ inflammation واللي بدورها تزيد من عدوانية الورم. كان الهدف من البحث هو دراسة الجينات التي تتفعل في حالة الشيخوخة، لتعطي بروتينات الـ SASP، ثم محاولة استهدافها، وفي نفس الوقت، يجب أن تحافظ الخلية على حالة التوقف التام عن الإنقسام، لأنها لو عادت تنقسم فإحتمال كبير تتحول لخلية سرطانية. إذن الفكرة بالخطوات:
1- التعرف على ماهية الـ SASP في الخلايا المدروسة في البحث.
2- التعرف على البروتينات المنظمة لها والتي تتحكم بها.
3- اسهداف هذه المنظمات، لإيقاف إفراز الـ SASP المحفز للورم، مع الحرص على ألا تعود الخلية لحالة الإنقسام، يجب أن تظل متوقفة.
وهذا ملخص البحث في صورة:
ننتقل الآن إلى كيفية إجابتهم على الأسئلة التي طُرحت (Method) والنتائج (Results)
____________________________________________________________________________
نوع الخلايا المستخدمة في الدراسة:
استخدم الباحثين خلايا IMR90 ER:RAS وهي عبارة عن خلايا Human primary fibroblast تم إدخال بلازميد داخلها يحمل نسخة طافرة من مستقبل الاستروجين (Estrogen receptor: ER) و البروتين الورمي (RAS (Oncogen protein
الخلية طبيعية، لكن عند إضافة مركب (hydroxy-tamoxifen (4-OHT،يرتبط بمنطقة الـ ER ويُنشِط التعبير الجيني للبروتين RAS باستمرار.
ارتفاع البروتين RAS في الخلية يُحفز عملية الـ Senescence، وهنا نُسمي الحالة هذه: (Oncogen-induced senescence (OIS، لأن البروتين RAS الـ (Oncogen) هو سبب دخول الخلية لحالة الشيخوخة.
طبعا بعد إضافة 4-OHT للخلية، يجب أن يتأكد الباحثين بعدها من أن الخلية دخلت في حالة الشيخوخة، يتم ذلك عن طريق دراسة التعبير الجيني لأشهر البروتينات الإلتهابية (pro-inflammatory factors) التي تُفرز عادة ضِمن الـ SASP، وهما IL-8 and IL-6، لو دخلت الخلية لحالة الشيخوخة، يرتفع التعبير الجيني لهما.
التأكد من وجودهما يتم بواسطة تكنيكين، على مستوى بروتيني وجزيئي:
-(Immunoflurecence (IF: أجسام مضادة ترتبط بالبروتينات هذه وتعطي لون يتم تصويره بالميكروسكوب الإلكتروني.
-qRT-PCR: استخلاص الـ mRNA من الخلايا لمعرفة كمية الـ mRNA الخاصة بالجينين.
1- التعرف على البروتينات المنظِمة للـ SASP:
بعد 8 أيام إضافة الـ 4-OHT على الخلايا، ثم التأكد من دخول الخلية لحالة الشيخوخة، رغِب الباحثين أولا بمعرفة البروتينات المنظمة للـ SASP، فقاموا بإجراء مسح كامل لما يسمى بـ druggable genome -هذا مُسمى أُطلق على الجينات الي تُعطي بروتينات بإمكاننا استهدافها عن طريق تصنيع جزيئات صغيرة دوائية، ترتبط بالـ functional domain للبروتين وتوقف عمله-
استهدفوا الجينات هذه (7000) عن طريق إضافة العديد من الـ (small interferon RNA (siRNA (ثنين لكل جين!)، يعملون على تكسير الـ mRNA الخاص بالجين المُنظِم، ثم يقيسون مستوى الـ IL-8 & IL-6 لمعرفة كيف تأثر.
وانتهوا بمعرفة 125 جين، انخفاض التعبير الجيني لهذه الـ 125 جين يقلل مستوى الـ IL-8 & IL-6، مما يعني أن بإمكاننا استهداف أحد هذه الجينات لتقليل الـ SASP.
أعادوا التجربة مرة أخرى، أخذوا الـ 125 جين، واستهدفوها بأربعة siRNAs لكل جين، انتهوا بمعرفة 84 جين، يقل التعبير الجيني لهم مؤديا لإنخفاض IL-8 and IL-6.
لكن القصة ما انتهت هنا، وليست بهذه السهولة.
2- تحديد أي البروتينات المنظِمة تتحكم بالـ SASP دون أن تُحفز إعادة إنقسام الخلية:
مثل ما نعرف، الخلية الهَرِمة تتميز بالوقوف التام عن الإنقسام، ولو عادت تنقسم فإحتمال كبير جدا تتحول لخلية سرطانية، خصوصا لو كانت (Oncogen-induced senescence (OIS كما في حالتنا الآن.
لذلك، لدينا الآن 84 جين نعرف أن إيقافهم يوقف الـ SASP، لكن، هل إيقافهم يوقف الـ SASP لوحدها؟ أم يوقف شيخوخة الخلية (يحفزها للإنقسام من جديد) لذلك لا نجد أثر للـ SASP؟
لذا هدف الباحثين من التجربة الثانية هو معرفة أي الجينات هذه -عند تقليله- يوقف الـ SASP دون إيقاف شيخوخة الخلية، وذلك عن طريق:
-دراسة التعبير الجيني لاثنين من البروتينات المهمة للإيقاف نمو الخلية، (p16(INK4a) and p21(CIP1. كلا البروتينين يعملان على إيقاف الخلية حتى لا تنتقل من مرحلة G1 إلى S. لذا، لو كان التعبير الجيني لهم عالي = الخلية متوقفة عن النمو، والعكس بالعكس.
-تَتَبُع الـ (bromodeoxyuridine (BrdU، وهو عبارة عن نيوكليوتيد مُصَنَع، شبيه جدا بالـ Thiamin، يتم إضافته للخلايا، فيدخل في تصنيع الـ DNA الجديد (بما أنه شبيه بالثيامين فيتنافس معه ويدخل مكانه)، ونستطيع الكشف عنه عبر أجسام مضادة (antibodies) ترتبط فيه وتعطي flurecence. بتتبعه نتأكد لو الخلايا تنقسم أم لا. لو الخلايا تنقسم فكثافة الـ BrdU تكون عالية “دخل بتصنيع الـ DNA الجديد”، أما لو الخلايا متوقفة (هَرِمة/ مافيه DNA تتصنع) فكثافته قليلة. في الصورة يتضح الفرق:
.
إذن، اللي حصل الآن أنهم أضافوا الـ siRNAs ضد الـ 84 جين مُنظِم على الخلايا الهَرِمة، ثم قاسوا التعبير الجيني لـ p21 & p16، وتتبعوا كثافة الـ BrdU. ليتعرفوا بالنهاية على الجينات التي لا تُسبب إعادة إنقسام الخلية. والنتائج ظهرت كمجموعات (clusters)، كما في الصورة:
بناء على النتيجة، الجينات المُمنظِمة في cluster1 (عدد 50 جين) هي المناسبة حتى نستهدفها لتقليل الـ SASP و الحفاظ على شيخوخة الخلية في الوقت ذاته.
انتهت هذه المرحلة، والآن من الـ 84 جين لدينا 50 جين يتفقون مع المعايير المطلوبة ويمكننااستهدافهم. ولكن، سؤال جديد يُطرح ويحتاج إلى دراسة، وهو:
استخدم الباحثين IL-8 and IL-6 فقط كمعيار للـ SASP؛ لأن تأثيرهم في نشوء الورم كبير جدا، ولكن، الـ SASP عبارة عن عدد هائل من البروتينات -كما ذكرنا سلفا- لذا، يجب أن ندرسها ولا نقتصر على الـ IL-8 and IL-6.
لذلك، قرر الباحثين عمل تجربة genome-wide transcriptome profiling، ويجب أن تعرفوا أن هذا النوع من التجارب يعتبر حديث -إلى حد ما، ظهرت نُسخ مطورة الآن- وقوي جدا، لأنك تدرس كل الـ mRNA في الخلية! تدرسها قبل وبعد (المؤثر الذي وضعته) وترى كيف اختلف حال الخلية وماهي البروتينات التي تأثرت بهذا المؤثر، والآن تطور إلى Single-cell transcriptomics، وبصراحة، بظهور هذه التقنية، تفقد كل التجارب الأخرى قوتها ودقتها أمامها.
المهم، استهدف الباحثين 38 جين (من أصل 50) بـ siRNAs، وذلك عن طريق إدخال الـ siRNA في الخلايا، ثم بعد فترة استخلصوا كل الـ mRNA الموجود في الخلية، وأدخلوهم في جهاز خاص ليقرأهم ويبين لنا التغير الذي حصل في كل جين، هل ارتفع أم انخفض بعد إضافة الـ siRNA ضد الجينات المنظمة؟ (يعني: بعدما استهدفنا كل جين من الـ 38 جين “اللي نعرف أنهم يتحكمون بالـ SASP بس ما نعرف ايش هم بالضبط”، وش صار في الجينات اللي بالخلية بشكل عام؟ وش الجينات اللي زادت، وهل تعتبر من الـ SASP الضارة؟ ووش الجينات اللي نقصت؟)؟
النتيجة كانت:
من هذا كله، قرر الباحثين اختيار جين واحد فقط من Cluster 1 and subcluster 1.3 or 1.4 (لم يوضحوا)، وهو الجين PTBP1، وجدوا أن إيقافه يُقلل الـ inflammatory factors بشكل ملحوظ!
لكن، الآن بما أن لديهم جين واحد، يحتاجون لإجراء العديد من الدراسات التأكيدية.
وهذا أضعه في جزء ثاني منفصل إن شاء الله ❤️.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
References:
- Georgilis, A., et al., PTBP1-mediated alternative splicing regulates the inflammatory secretome and the pro-tumorigenic effects of senescent cells. Cancer Cell, 2018. 34(1): p. 85-102. e9.
- Faget, D.V., Q. Ren, and S.A. Stewart, Unmasking senescence: context-dependent effects of SASP in cancer. Nature Reviews Cancer, 2019: p. 1.
- Innes, A.J. and J. Gil, IMR90 ER: RAS: A Cell Model of Oncogene-Induced Senescence, in Cellular Senescence. 2019, Springer. p. 83-92.
- Hopkins, A.L. and C.R. Groom, The druggable genome. Nature reviews Drug discovery, 2002. 1(9): p. 727.
4 ردود على “ورقة علمية: PTBP1-Mediated Alternative Splicing Regulates the Inflammatory Secretome and the Pro-tumorigenic Effects of Senescent Cells–PART 1”
أعجبني الأسلوب، مشوق وسلس جدًا، وكأنني أسمع صوت إنسان شغوف بما يفعل وأنا اقرأ. كل التوفيق.
Thank you Aljawharah, glad you read it, and I hope you feel the same for the remaining parts 💛
[…] ورقة علمية: PTBP1-Mediated Alternative Splicing Regulates the Inflammatory Secretome and th… […]
[…] ورقة علمية: PTBP1-Mediated Alternative Splicing Regulates the Inflammatory Secretome and th… […]